عندما يبكي الرجال

بسم الله الرحمن الرحيم
كان جبّاراً عنيداً... كان عنيفاً عصيَّاً على الانكسار.. كان قوياً بجبروته وعظمته وقدرته..
كان شخصية ً فريدة ً في كلِّ شيء.. يحكي دون أن يخاف.. يلوم دون أن يشعرَ
بتأنيبِ ضمير.. يضع نفسه ديّاناً على الناس فيعاتب هذا ويؤنّب ذاك على
سبيل الدّالّة والسلطة.. ما كان يقيم وزناً للمشاعرِ فهي من دلائل الضعف
ومن علامات الانكسار، فالرجالُ لا تهزّها العواطف، ولا تلويها الرياحُ
الهوج..
في شبابه حملَ كلَّ هذا العنفوان، وكلَّ هذه القوة والجبروت، لكن كلّما
تقدَّمت به السنّ لانَ قليلاً وتحرَّك شيءٌ في داخله لم يكن يعلم ما هو...
لقد عركته الحياة عركاً، وطحنته بأسنانها، فذاق مرَّها وحلوها، واختبرها
اختباراً عظيماً، اختبرها اختبارَ الشجعان الأقوياء الذين لا ينحنون
للعواصف ولا يستكينون للنوائب..
مشت به الأيام وإذا بالمصائب تأتيه فيذوي قليلاً، وإذا بالأحزان تتوالى
لينصهر معها شيئاً فشيئاً، حتى ذابت عواطفه وشعرَ بالضعف أمامها.. تعلَّم
حينها أن يحترمَ مشاعر الناس، وأن يراعي وجودهم، لكن رغم ذلك بقي صامداً
كالأرز، شامخاً كالسنديان..
كان في كل مرحلة من مراحل عمره يلين قليلاً حتى علمَ في النهاية أنَّ
القوّة في الرحمة لا في العنف، في اللطف وطول الأناة لا في الغضب
والتسلّط، في الحنان والمحبة لا في القسوة والسيادة.. وبقي يمضي مع
الأيام، والأيام تمضي معه حتى وصلا معاً إلى هدنة..
لقد تزوّج وبدأ ينتظر قدوم وليده الجديد، وفي المشفى حينما أبصرت عيناه
الصارمتان مولوده الجميل نزلت منهما دمعة ٌ حرّى، دمعة ٌ خجولة لا تريد أن
ترى الناس ولا تريد من الناس أن يروها..
أخيراً لانت العواطف المكبوتة وتفجّرت بلحظة في دمعةٍ صادقة، في دمعةٍ
حنونة.. نظرة ٌ من وليده الجديد كانت كافية لتفجّر ما بداخله من المشاعر
الجيّاشة التي تعلَّم كيف يخفيها طوال فترة شبابه.. إنَّ الطفل يحنّن
القلوب الحجرية، والحياة تعين صاحبها على تغيير الذات إلى الأفضل دائماً...
إنه الآن رجلٌ مليءٌ بالمشاعر الدافئة، مليءٌ بالصدق والمحبة واللطف،
ومليءٌ أيضاً بالقوة، يفرض رأيه بالمحبة لا بالتسلط، يحبّ الجميع كأولاده
الأعزاء..
إننا كثيراً ما ندرك خطأ مسيرتنا في الحياة فيرسل لنا الله مَنْ يذكّرنا
بضعفنا كي لا نستبدّ ونظلم، يهذب عواطفنا وكياننا ووجداننا ودواخلنا لنغدو
حمائم سلام ٍ وسط هذا العالم القاسي..
لقد بكى أخيراً ذلك الشخص الجبّار.. بكى ذلك الشخص القاسي العنيد، ولم يعلم حينها أنَّ الرجال لا يبكون....

» بكت عندما قال لها زوجها احبك
» ما هو شعورك عندما يقاال لك (( احــــبــــك ))